دولة الرئيس .. المستقبل .. نجيب ميقاتي .. رجل الجمهورية الثالثة
بقلم نبيه البرجي (جريدة القبس الكويتية 21/6/2005)
قادم من عائلة عادية وحالم مثل رفيق الحريري
إذا سئل أحدهم : " من الشخصية اللبنانية الأقرب إلى رفيق الحريري؟ " لقال في الحال نجيب ميقاتي!
خطواته الأولى كانت شاقة لكنها كانت حالمة أيضاً، دائماً كان ينظر إلى المستقبل ، المستقبل البعيد تقريباً. لا ريب أنه عندما انتخب نائباً في عام 2000 ونال أعلى الأصوات في الدائرة، تسلطت عليه الأضواء . ها هي مدينة طرابلس تنتج رئيساً جديداً للحكومة ..
الرجل واقعي جداً، بل براغماتي جداً 0 يعرف أين يضع خطواته. لا انزلاق نحو الاعلى ولا انزلاق نحو الادنى. لكن الوقت لا بد أن يأتي ، أتى . أنه الآن ... رئيس حكومة الانقاذ.
من يتجرأ أن يدخل إلى السراي الكبير بعد رفيق الحريري؟ اغتيال الرجل اغتال كل الشخصيات السنية التي كان يمكن أن تشغل منصب رئيس الحكومة. إذا ، لا بد من ذلك " الشخص الآخر" الآتي مثل الحريري من عائلة عادية ، ومعه حلم كبير، ورأس كبير، ناهيك عن الحيوية التي لا حدود لها.
نجيب عزمي ميقاتي ، ولد في عام 1955 تخرج في الجامعة الأميركية في بيروت حاملا بكالوريوس في علوم إدارة الاعمال والماجيستير في الحقل نفسه ليكمل دراسته في الولايات المتحدة حين تابع دورات للتعليم العالي في جامعة هارفارد. وبعدما تابع دورات جامعة INSEAD الفرنسية، عاد إلى هارفارد ليطلع على أحدث تقنيات الادارة الحكومية.
كل شيء فيه "يعمل" للمستقبل. لاشك أنه سيقرأ "القبس" ويبتسم: "دولة الرئيس.. المستقبل".
تواضع وورع
لا حدود لتواضعه . كان وزيراً للاشغال العامة والنقل حين فوجئت بسيارة تتوقف إلى جانبي ويسألني إلى اين أنا ذاهب لكي يوصلني. وفي إحدى المرات كان نزيل فندق في دمشق، وكنت أنا في الفندق نفسه، وحين عدت إلى غرفتي في منتصف الليل تبين لي أنه ترك لي خمس رسائل هاتفية، وحين استوضحت من صاحب الرسائل، قال لي "أنا نجيب ميقاتي" والسبب هو أن شخصية سورية مهمة جدا زارته في جناحه وكان يريد أن نمضي "سهرة سياسية".
الحاج نجيب .. ورع ، وفي طرابلس يقولون أنه يخاف الله. القليلون جدا الذي يعلمون حدود المساعدات التي يقدمها في هذا الاتجاه أو ذاك، كل هذا يتم بتكتم شديد، ممنوع الكلام في مثل هذه الحالات. وزوجته، إبنة زميلنا أبو أحمد دوماني، تتقن تلك المهنة الرائعة: إحترام الناس.
ديناميكي ومثقف
الكل يعرف مدى علاقته الوثيقة بالرئيس بشار الأسد، وقبل أن يتسلم مقاليد الرئاسة. هو من وضع الخطط الخاصة بادخال الهاتف الخليوي إلى سوريا بعدما كان هو أول من حل مشكلة الاتصالات إبان الحرب. كان الناس جميعاً، والمراسلون جميعاً، يعانون من هذه المشكلة، نجيب ميقاتي حلها باعتماد نظام اميركي، الكثيرون تنفسوا الصعداء بعدما كانوا يتكدسون في مراكز الهاتف لساعات إن لم يكن لايام بحثاً عن دقائق قليلة مع الخارج.
الديناميكي ، المثقف، الذي يقول اللبنانيون إن دماغه يعمل بسرعة مثيرة، وبأداء مثير. يعرف كيف يختار مستشاريه: الكفوء وصاحب الكف النظيف. لم يعرف عنه أبدا أنه تخلى عن أي صديق، وإن طعنه البعض في الظهر، لا يمكن أن تسمع من نجيب ميقاتي كلمة سيئة بحق أحد. لا ريب أن لبنان يتعرف على مثال جديد في السراي الكبير.
عودة إلى الأمل الكبير
ذات يوم حاول رئيس جهاز الأمن والاستطلاع في القوات السورية العميد رستم غزالي ان يفرض عليه موقفا معيناً. لم يكن ينتمي قطعاً إلى ذلك النوع من الزعامات البشرية التي ازدهرت على مدى السنوات الطويلة المنصرمة، الطويل القامة منتصب القامة، لا أحد قطعاً لا أحد، يمكنه أن يعثر على ثغرة اخلاقية في شخصية الرجل الذي وصل إلى حيث يجب أن يصل، وصوله يعني أن لبنان الذي دخل في اليأس الكبير بعد اغتيال رفيق الحريري يستطيع العودة الآن إلى الأمل الكبير.
السعوديون، السوريون ، الفرنسيون، الاميركيون يقولون أنه الرجل المحترم. من زمان ، هذه هي نظرتهم إليه. قال لنا دبلوماسي فرنسي " هذا رجل لليوم الأسود". الأيام التي عاشها اللبنانيون على امتداد الاسابيع المنصرمة كانت الأكثر سواداً، وبدا أن الجمهورية على وشك الانهيار، يوم أمس ، بدا كما لو أنه يوم مختلف جداً في بيروت. عندما ظهر نجيب ميقاتي لم يعد هناك لا موالاة ولا معارضة.
من غيره من الساسة قال "لن أترشح للانتخابات إذا أصبحت رئيس لهذه الحكومة" التي ستشرف على الانتخابات؟ لا أحد ، بل أننا لاحظنا كيف أن "نواطير الغابة" كيف راحوا "يتصارعون – والبلاد على حافة الهاوية – من أجل هذه الحقيبة الوزارية أو تلك".
يفضل الخيارات الصعبة
بشوش ، ومتوقد، ويعرف كيف يضع كل شخص في مكانه الصحيح، ولا ريب أن ثقافته (فضلا عن اتقانه الانكليزية والفرنسية على نحو راق جدا) لعب دورا بارزا، في مساعدته على اقامة علاقات مع جهات دولية بارزة ناهيك عن علاقاته العربية ، مرة أخرى ، بصوت عال، البديل عن رفيق الحريري نجيب ميقاتي لا استنساخ وانما تقاطع في لعبة المستقبل التي هي لعبة الحياة!
قطعا، لن تكون المرحلة المقبلة مرحلة خشبية، حتى في العلاقات مع القصر الجمهوري يعرف كيف يضع الأمور في نصابها رغم النصوص الدستورية المفخخة (أحيانا تكون الامزجة مفخخة) في كل حياته لم يكن يحب الخيارات السهلة. أنه رجل الخيارات الصعبة لحقبة لبنانية يعرف الجميع انها ستكون أكثر من صعبة، لكنها مرحلة العبور إلى .. الجمهورية الثالثة.
بكل تأكيد ، يمكن القول أنه رجل الجمهورية الثالثة!